قطٌّ عجوز ينتظرُ موته
صنعتُ لي كوب قهوة،وحملت معي الكتاب الذي أقرأ فيه هذه الأيام، وأنا أعلم يقينا أنني لن أقرأ ولو سطرا واحدا من الكتاب ما دمتُ أشرب أو أتناول حاجة ما؛ إنه الاضطراب الذي يتكوّن في رأسي وداخلي في كل مرة أُمارس عدة أفعال في وقت واحد. كل شيء يستيقظ، ويريد أن يثرثر. جميع الأصوات تريد أن تتحدث في وقت واحد، ولن ينصت لي أي صوت، وهذا يفزعني، ويدفعني للبكاء. أجلستُ الكتاب بالقرب مني؛ كصديقٍ خجول، لا يثرثر، ويكتفي بالمراقبة. أنت تحتاج هكذا أصدقاء في حياتك؛ صديق لا تسمع صوته إلا نادرا، يجلس معك، لكن مهمته أن يُراقب، يصطاد الحَركات، وإن تحدّث سيكتفي بقول جملة واحدة، تبقى ترنّ طويلا في أذنك. لا أجلس عادة وحدي؛ فالقطط التي تتسكع في المكان الذي أقضي فيه أيامي، تركض ناحيتي ما إن أفتح الباب، وأقعدُ على الدرج، مُراقبة السماء، والأشجار، والماشية التي ترعى بالقرب من الوادي. قطٌ يافع امتلأ جسده مؤخرا بعد أن أصبح قليل الحركة مكتفيا بالنوم وتناول الطعام الذي أُقدّمه له. قطٌ آخر عجوز، يقضي أيامه الأخيرة، يسعل، يعطس، بالكاد يموء، ينتظر موته، وأنا أشرب قهوتي.
فكّرت في الحياة والموت وأنا أرتشف قهوتي، التي بردت فسكبتُ الباقي منها تحت الشجرة. الشجرة التي زرعتها أمي، وراقبتُها حتى كبرت واستطالت.
راقبتُ طويلا القط العجوز وهو يصارع النسيم البارد، ويقترب مني، ليُدخل جسده البارد في ثوبي. أصرخُ فيه وأقول: لا تفعل هذا. اذهب ومُت تحت شجرة ما. فليكن موتك فخما كما تريد أنت. كل يوم تكرر ذات الفعل؛ تبحث عن بشريّ ليعانقك ويدسّك. انْظر لنفسك، قط يصارع الموت. لا أحد يحب مرافقة الموتى. انْظر للقط الآخر، نظيف الهيئة، ممتلئ، لا يقعد القرف في وجهه، على عكسك. إنك ميتٌ، ميتٌ تصارع لتتشبث بالحياة. ثم نظرتُ فيه، عيني في وجهه، ومددتُ يدي بعد أن ارتعشت، ومسحتها على رأسه، قلتُ سرا في قلبي: آسفة. لكنك تصارع الحياة، بينما كل شيء فيك ميت، ولا أحد ينجذب للموتى. بقيتُ أمسح بلطف على جسده الذي تحسستُ بيدي عظامه وقد برزت، وبانت؛ فخلقتْ له شكلا بشعا، مقرفا. فجأة، قفز القط العجوز فوقي، ثم تجاوزني، صرخت: مقرف، قذر.
ذهب لداخل البيت، قعد في زاوية كانت الشمس فيها لم تغب بعد، نظر القط العجوز في وجهي، ورفض الخروج. تركته وشأنه وقلت:سيموت، هذه هي النهاية. ربما يريد أن يشعر بالدفء أثناء موته.
غربت الشمس، حملت مكنسة لأخيفه بها وليخرج؛ من يرغب أن يأتي الليل وفي منزله قط يحتضر؟
بالكاد غادر المنزل، بعد أن دفعتهُ مرارا بالمكنسة، وعاد ليجلس في الخارج، تحت الشجرة، والنسيم البارد يعبر فوق عظامه، يموء القط العجوز بتعبٍ، أنظر إليه، أرى صورتي: امرأة تحتضر،وحدها. إنه فصل الشتاء، المطر خلف النافذة يتساقط، الريح تدق الباب، هاتفٌ تومض شاشته؛ رسالة من شركة الاتصالات تُعلن عن إعلان جديد.
_عائشة سُليمان/ خَيَال
راقبتُ طويلا القط العجوز وهو يصارع النسيم البارد، ويقترب مني، ليُدخل جسده البارد في ثوبي. أصرخُ فيه وأقول: لا تفعل هذا. اذهب ومُت تحت شجرة ما. فليكن موتك فخما كما تريد أنت. كل يوم تكرر ذات الفعل؛ تبحث عن بشريّ ليعانقك ويدسّك. انْظر لنفسك، قط يصارع الموت. لا أحد يحب مرافقة الموتى. انْظر للقط الآخر، نظيف الهيئة، ممتلئ، لا يقعد القرف في وجهه، على عكسك. إنك ميتٌ، ميتٌ تصارع لتتشبث بالحياة. ثم نظرتُ فيه، عيني في وجهه، ومددتُ يدي بعد أن ارتعشت، ومسحتها على رأسه، قلتُ سرا في قلبي: آسفة. لكنك تصارع الحياة، بينما كل شيء فيك ميت، ولا أحد ينجذب للموتى. بقيتُ أمسح بلطف على جسده الذي تحسستُ بيدي عظامه وقد برزت، وبانت؛ فخلقتْ له شكلا بشعا، مقرفا. فجأة، قفز القط العجوز فوقي، ثم تجاوزني، صرخت: مقرف، قذر.
ذهب لداخل البيت، قعد في زاوية كانت الشمس فيها لم تغب بعد، نظر القط العجوز في وجهي، ورفض الخروج. تركته وشأنه وقلت:سيموت، هذه هي النهاية. ربما يريد أن يشعر بالدفء أثناء موته.
غربت الشمس، حملت مكنسة لأخيفه بها وليخرج؛ من يرغب أن يأتي الليل وفي منزله قط يحتضر؟
بالكاد غادر المنزل، بعد أن دفعتهُ مرارا بالمكنسة، وعاد ليجلس في الخارج، تحت الشجرة، والنسيم البارد يعبر فوق عظامه، يموء القط العجوز بتعبٍ، أنظر إليه، أرى صورتي: امرأة تحتضر،وحدها. إنه فصل الشتاء، المطر خلف النافذة يتساقط، الريح تدق الباب، هاتفٌ تومض شاشته؛ رسالة من شركة الاتصالات تُعلن عن إعلان جديد.
_عائشة سُليمان/ خَيَال
كم انتي رائعة ياعائشة
ردحذف