في يوم مشمسٍ
تظن، وقد يتحوّل ظنّك لليقين إنْ طال أمدُ استمرارية الظنّ؛ إذ أن كل الأشياء قابلة للتحوّل تحت ظروف التمدد، والإستمرارية. تظن أنك لن تنمو مجددا بعد سن الثلاثين، وأن الأمر الوحيد الذي سيطرأ عليك هو تغيّر لون شعرك إلى اللون الفضيّ، أو كما ستقول الأبيض. هذا التغيير الذي سيجر خلفه الكثير من التقلبات عليك، ولن تكون قادرا على تجاوزها. قد ينجح البعض في تجاوز سن الثلاثين، أو تجاوز أزمة العمر، ولكنك حتما ستقف أمام وجهك الذي تغيّر، وأنت تنظرُ في المرآة كل صباح، متحسسا بأصابعك خطوط وجهك. ترتّب شعرك، تفكر في إضافة صبغة جديدة عليه؛ كي يكسب لونا جديدا، ولا يظهر اللون الفضيّ، المُقلق، المخيف، الذي يجعلك تتعرق وتنزوي في غرفتك، مُفكرا بجدٍّ بالأيام القادمة.
ستنتبه لأول مرة لجرحٍ كُنتَ قد أصبت به ذات يوم، تمر تفاصيل ذاك الجرح على عينيك، فتبتسم، ثم يعبس وجهك وقد تبكي؛ إنك تظن أنه لم يعد بمقدورك أن تحصل على جرح مماثل لذاك الجرح، وأنت في هذا العمر _كنت قد حصلت على هذا الجرح وأنت تلعب الغميضة مع الصغار يوم كنت في العاشرة من عمرك، وقد تعثرت قدمك فوقعت أرضا على البلاط، وانسابت الدماء، وارتفع صراخك_ وأن كل ما ستحصل عليه هي جراح جديدة، تحمل مسميات لطالما سمعتها تخرج من أفواه الكبار، فتقول: لقد أصبحتُ كبيرا.
تظن في يوم ما، بعد أن تتجاوز أزمة التفكير في العمر، وأنك ذاهب للشيخوخة حتما، مع أنك حتما لم تتجاوز التفكير؛ ولكنك تعمّدت تجاهله، وستفكر في الأمر بقلق وفزع في ليلة باردة، أو ممطرة، أو حتى في نهاية الأسبوع، بعد أن تُنهي عمل أسبوع شاق. تظن أن وجعك الذي اكتسبته مِنْ علاقة غراميّة غير تامة في مطلع العشرين من عمرك الملتهب، انتهت بالبكاء، والحزن، وتجميع أفكار في نظرك، على أنها أفكار ثابتة، ماهو إلا وجعٌ مستمر دائم، وأن أفكارك لن تتغير، وأن الجرح الذي رُسم عليك أثناء خروجك من تلك العلاقة، لن يزول مهما فعلت. فتتصرف وكأنك غير مبالٍ في علاقاتك الآتية، أو قد تُفرط في تكوين علاقات، ظنّا منك أنك تداوي جرحك؛ بينما أنت تزيد من مساحة الجرح.
ومع هذا، في يوم مشمسٍ، وأنت تقضم بسكويتة، أو وأنت تشرب كوب قهوتك، أو تضغط على الحروف بقوةٍ في لوحة مفاتيح جهازك المكتبيّ، أو للتو قد افترشت رمل البحر، وأنت تراقب النوارس؛ تنتبه إلى أنك قادرٌ على أن تنمو من جديد.
.
_عائشة سُليمان _خَيال.
📸_ لقطة لبذرة تنمو.
تعليقات
إرسال تعليق