فارهو والصراع من أجل البقاء_ حول رواية دفاتر فارهو.
كاميرا، يحملها الكاتب أو الشاعر مثلما يحملها المصوّر ليلتقط تلك الصورة الإستثنائية، والتي يرغب بأن يُريها للعالم أجمع ،صورة تُجسّد فيها كل المشاعر والعواطف، وتبعث رسالة شديدة اللهجة، قاسية، عاطفيّة، إنسانيّة هذه هي الصورة المطلوبة
وهذا ما فعلتهُ الكاتبة العُمانية ليلى عبدالله في روايتها الأولى، دفاتر فارهو. لقد ركّزت عدسة الكاميرا على لقطة وزاوية واحدة. إسقاطات سرديّة على حياة الأطفال اللاجئين، المشردين المهمشين. والحقيقة هي إسقاط سرديّ لتتبّع مصائر الهاربين عن الحرب، والفارين من المجاعات، والباحثين عن حياة طبيعية، مزدانة بالحرية والسلام، والأمن. إسقاط نفسيّ أشبه بدراسة ما يحدث خلف ما نظن أننا نراه بوضوح.
ليلى في روايتها جسّدت الجحيم اللامرئي غالبا للمُنعمين، وللذين يكتفون فقط بتتبع الصور، و يصابون بالحزن لدقائق ثم يخرجون للإحتفال بصخب. ليلى أرادت نقل صورة، في لغة أدبية أتقنت التحكم بها جيدا.
دفاتر فارهو، فارهو الطفل الصومالي، الذي حكى لنا في دفاتره كل الأسرار ، فارهو الراوي الذي استخدم في السرد لغة السخرية للتعبير عن وجعه. السخرية في التعبير هي اللغة الناجعة للتعبير عن الوجع والآلام، وهي الثيمة التعبيرية لقولِ الكثير ولإستحضار الذكريات. وما ميّز السرد هو أن ليلى عبدالله استخدمت تقنية الفلاش باك أو تقنية جلب واستحضار الذكريات؛ فقد كانت دفاتر فارهو أي أوراقه بحاجة لأن تحمل تلك القصص من الذاكرة، كون أن فارهو قد قدّم دفاتره أو مذكرته لكارل الأمريكي الذي كان يتفقد ظروف اللاجئين وقد عزم على صنع فيلم وثائقي من دفاتر فارهو.
فارهو الكائن التوثيقي الذي سجّل كل شيء في دفاتره؛ إذ بدت الرواية وكأنها مذكرة قد حملها موج البحر للكاتبة أو عثرت عليها صدفة ليلى وهي تمشي، ثم سرقتها وقلّمت الكلمات وحسّنت اللغة والتعبير فأصبحت رواية.
فارهو الكائن التوثيقي الذي سجّل كل شيء في دفاتره؛ إذ بدت الرواية وكأنها مذكرة قد حملها موج البحر للكاتبة أو عثرت عليها صدفة ليلى وهي تمشي، ثم سرقتها وقلّمت الكلمات وحسّنت اللغة والتعبير فأصبحت رواية.
_ كم هو قاس وموجع أن يحرر المرء ذكرياته وينبش في قصصه القديمة، ويفضح في يومياته كل الأسرار، وخاصة أن ينبش المرء في ذاكرته عن الحقيقة المرّة؛ لكن فارهو كان شجاعا وجريئا يوم حرر كل الحقائق دفعة واحدة، لقد أطلقها بشجاعة.
في أول صفحة من الكتاب ضمّنت ليلى قصيدة للشاعرة الصومالية ورسان، وكانت القصيدة بمثابة افتتاحية لمَ سيقرأه القارئ في الكتاب. تقول ورسان:"أُريدُ أن أعود إلى الوطن؛ لكن الوطن فم قرش" وهذا ما ذكره فارهو في أوراقه، كم هو قاس الوطن حين يأكل أبناءه. وتقول ورسان في ذات القصيدة:"ما يهمّ هو أن تبقى حيًّا" سوف تثبت لك أوراق فارهو أن بقاء الإنسان حيّا، لهو أمر في غاية الصعوبة، خاصة إن كنت لاجئ، إن لم تكن تحمل بطاقة تعريفية تثبت للجميع أنك ابن الوطن.
وأن مهمة البقاء والإستمرار في الحياة يعني أنك بحاجة للطعام، وكي تحصل على الطعام أنت بحاجة للمال. ثم أن المال لا يسقط من السماء، فتجد نفسك مضطرا لأن تقبل بالذل والمهانة، وأن تُقْدم على فعل الكثير من الأشياء مُقابل أن تعيش، مثلما فعل فارهو.
لا أعلم كيف جسّدت بشجاعة ليلى كل هذا الصراع والوجع، وكيف جعلت من طفل ومض فجأة في مخيلتها، فدفعها للكتابة بطل حكاية، ومشروع دراسة إنسانيّ!
في أول صفحة من الكتاب ضمّنت ليلى قصيدة للشاعرة الصومالية ورسان، وكانت القصيدة بمثابة افتتاحية لمَ سيقرأه القارئ في الكتاب. تقول ورسان:"أُريدُ أن أعود إلى الوطن؛ لكن الوطن فم قرش" وهذا ما ذكره فارهو في أوراقه، كم هو قاس الوطن حين يأكل أبناءه. وتقول ورسان في ذات القصيدة:"ما يهمّ هو أن تبقى حيًّا" سوف تثبت لك أوراق فارهو أن بقاء الإنسان حيّا، لهو أمر في غاية الصعوبة، خاصة إن كنت لاجئ، إن لم تكن تحمل بطاقة تعريفية تثبت للجميع أنك ابن الوطن.
وأن مهمة البقاء والإستمرار في الحياة يعني أنك بحاجة للطعام، وكي تحصل على الطعام أنت بحاجة للمال. ثم أن المال لا يسقط من السماء، فتجد نفسك مضطرا لأن تقبل بالذل والمهانة، وأن تُقْدم على فعل الكثير من الأشياء مُقابل أن تعيش، مثلما فعل فارهو.
لا أعلم كيف جسّدت بشجاعة ليلى كل هذا الصراع والوجع، وكيف جعلت من طفل ومض فجأة في مخيلتها، فدفعها للكتابة بطل حكاية، ومشروع دراسة إنسانيّ!
إن ما دفعني لقراءة عمل ليلى عبدالله هو مشروعي الذي مازلت أعمل فيه، و يلامس جانب يشبه الجانب الذي وقفت عليه ليلى؛ حكايات الصومال. فركّزتُ كثيرا في صورة فارهو وكيف خلقته ليلى، فوجدتها أحسنت وأتقنت التحكم بالأمور، حتى أن القارئ لن يجد صعوبة في استحضار ملامح وتقاسيم فارهو وإن كان فارهو شخصية خياليّة، حتى اللحظة.
_في دفاتر فارهو أمر يجب الوقوف عليه ولا يمكن تجاوزه وهو أن ليلى جعلت هذا العمل مزدحم بالأصوات المختلفة، وعادة يخشى الكتّاب كثرة الأصوات في أعمالهم الأدبية؛ لأن بعض الأصوات قد تتمرد على الكاتب فتفلت ولا يستطيع التحكم بها؛ لكن ليلى كانت يقظة فتحكمت بكل الأصوات، ولعبت بإتقان بها، فأنت كقارئ تستطيع أن تتحسس النَفس السردي لليلى. ربما يعود الأمر كذلك ل(الأنا) السرديّة التي كانت كركيزة في هذه الدفاتر. هل اتخذت ليلى من الأنا السردية عكازا لتستند عليه، ولتُعيد تعريف السرد الأدبي في شكل آخر؟
_سيحتل فارهو مساحة كبيرة من الحديث إن ركزنا كثيرا عليه وتجاوزنا البقية، مع أن فارهو هو البطل وهو الأساس، لكنني لم أستطع أن أترك شخصية الخال منغستو. وهي الشخصية التي لعبت دورا عظيما في هذه الرواية. فإن قلنا بأن فارهو هو من سرد وكتبَ الحكاية، فالخال منغستو هو منْ جسّد الوجع، وقضم الحقيقة بمرارةٍ، وهو من عثر على فارهو واستعمله قبل ليلى.
شخصية الخال منغستو بدت لي كصورة سينمائية في فيلم، تصلح لمشروع دراسة نفسيّة حول: المغتربون.
إن هذه الرواية ليست عملا أدبيا عربيا يقف لأول مرة على حكاية عادة يخشاها الجميع فحسب؛ بل هي تصلح لأن تدرج ضمن الكتب الأدبية أو الأعمال الروائية التي تدخل في صف الدراسات لكشف عمق أسرار وخفايا النفس والمصير البشري.
شخصية الخال منغستو بدت لي كصورة سينمائية في فيلم، تصلح لمشروع دراسة نفسيّة حول: المغتربون.
إن هذه الرواية ليست عملا أدبيا عربيا يقف لأول مرة على حكاية عادة يخشاها الجميع فحسب؛ بل هي تصلح لأن تدرج ضمن الكتب الأدبية أو الأعمال الروائية التي تدخل في صف الدراسات لكشف عمق أسرار وخفايا النفس والمصير البشري.
_ في هذا العمل مهما حاولتَ أن تتجاوز التقنيات الإبداعية للسرد لن تستطيع، كما أنك ستتعاطف كثيرا مع كل ما ذُكر في اليوميات، وربما تكون الشفقة حاضرة، وستكون إنسانيا مفرط في إنسانيته، وأرى أن ما جعل هذا العمل في صورته هذه هو تدخّل عدّة أيادٍ لتحسينه؛ فقد صرّحت ليلى أنها شاركت العمل قبل نشره مع عدد من الذين لعبوا دور المحرر الأدبي، وهذه شجاعة من ليلى؛ فعادة يستأثر أكثر الكتّاب العرب بأعمالهم لأنفسهم، ويتحسسون من تلك التحسينات التي قد يدخلها المحرر الأدبي، وكأن عملهم غير قابل للتغيير والتحسين.
_ما افتقر_ أو غاب عن_له هذا العمل هو النغمة أو اللون الشعريّ،وقد ظننت أنني سأقف كثيرا على نغمات شعرية؛ فقد عرفت ليلى الشاعرة، ولكن في آخر الكتاب ،بعد أن أغلقتُ صفحاته، قلتُ لنفسي: من الجيد أن ليلى لم تعتمد على النغمة الشعرية في السرد؛ لأنها كانت ستحوّل العمل لعملٍ عاطفيّ، وسيفقد السرد صلابته، وستبدو دفاتر فارهو مترهلة وبائسة. مع هذا وجدتُ في العمل بضع قطرات من الحسّ الشعريّ وكأن ليلى قد رشّت قليلا من الشاعرية؛ حتى لا يصبح فارهو والشخصيات الأخرى بشكل جامد وقاسٍ.
*لقد فكّرت بِـ : ماذا لو أن فارهو انشغل بوضعِ عناوين لدفاتره،لحكايته. هل كان سيخلق في القارئ شعورا أكثر عمقا؟
فقد أحسست أن هذه الأوراق هي قصاصات كتبها فارهو في صورة متتالية، وقد انقطع ربما لحظة عن كتابة جزء ما ليبكي، أو حتى يأخذ غفوة، ففكرت لماذا لم يُعنون الأوراق؟ لماذا لم يضع تاريخا على الأقل؟ هل أراد أن يتحرر كليا من ذكرياته وأوراقه، أم أراد قول ما جثم على صدره، وأراد بث تساؤلاته وحيرته؟
فقد أحسست أن هذه الأوراق هي قصاصات كتبها فارهو في صورة متتالية، وقد انقطع ربما لحظة عن كتابة جزء ما ليبكي، أو حتى يأخذ غفوة، ففكرت لماذا لم يُعنون الأوراق؟ لماذا لم يضع تاريخا على الأقل؟ هل أراد أن يتحرر كليا من ذكرياته وأوراقه، أم أراد قول ما جثم على صدره، وأراد بث تساؤلاته وحيرته؟
**من الأمور التي لا يمكن تجاوزها هو أن عمل ليلى كان أشبه بالعمل الموجه لفئة معينة. فقد تظن أنه للأطفال واليافعين، وقد يبدو لك كوجبة تلتهمها بسرعة بين مجموعة كتب دسمة؛ لكنه في الحقيقة عمل يحتاج لوقت طويل حتى تفكك رموزه. مع أن ليلى استخدمت لغة سهلة، يسيرة، عذبة؛ لكنها أبقت الكثير من الغموص بين الفواصل وفي الصفحات، فستجد نفسك مشدودا رغما عنك، جالسا لتفكر في الحكايات، وقد بدأت تخلق في ذهنك صوَر من ذكرهم فارهو ، وتتمنى لو أنك كنتَ تملك إصبعا سحريا يُغيّر من مسار كل شيء.
_عائشة سُليمان /خَيَال.
رواية جميلة وشاقة من خلال سردك وحديثك عنها وعن كاتبتها المبدعة ليلى، سأحاول اقتناء نسخة منها قريبا لاستمتع بقراءتها والغوص في أعماق وأسرار أحداثها ..
ردحذفأحسنت الاختيار بارك الله فيك ..
جزيل الشكر
حذف