بين القصة القصيرة والفيلم السينمائي.
_ القصة القصيرة والفيلم السينمائي:
أصحو من نومي عند التاسعة تماما، لهذا الصباح الذي نظرتُ له من النافذة فوجدتهُ نصف غائم. عبثتُ بالهاتف قليلا، وسحبتُ الكتاب الذي يجلس على الطاولة الملاصقة للسرير، قرأت صفحة واحدة منه، ثم انتبهت إلى أن الساعة قد أصبحت العاشرة والنصف. الوقت، يسير بسرعة!
خرجتُ من الغرفة، أحضرت لي كوب شاي، ونصف خبزة، قمتُ بتشغيل التلفاز، و قلّبت القنوات بسرعة إلى أن وصلت إلى قناة Dubai 1؛ من أسبوع وأنا مغرمة بمسلسل يعرض على القناة، ولأنني قد نسيت أن اليوم هو الثلاثاء، ولايعرض المسلسل، وعوضا عن هذا كانت شارة بداية فيلم ما قد ومضت في الشاشة، عليه لابأس لنشاهد الفيلم يا عائشة.
ظهرت حروف الفيلم كلها في الشاشة. واو، واحد من الأفلام التي تُعجبني و يروقني نمطها، خاصة أن الفيلم مقتبس عن قصة قصيرة، وأنا كثيرا ما أفكر طويلا في الأفلام التي تُقتبس من قصص قصيرة؛ أي كم هو مدهش هذا المخرج الذي يستطيع خلق فيلم كامل ومتكامل، مقتبس أو مأخوذ عن قصة قصيرة!
إن القصص القصيرة تُحاك وتُخلق أولا في رأس القاص/كاتبها؛ قصة صاخبة: الأصوات، الروائح، التفاصيل، الحركات، النغمات. ثم تظهر القصة للقارئ بشكلها المعتاد، أظن، بل هو أمر مؤكد أن القارئ الذي يملك أنفا خاصة، سيستشعر كل الصخب المضغوط في القصة، وهذا ما يعجبني ويدهشني في القصة القصيرة. إنها مختلفة عن الرواية، والقصيدة، حتى وإن كانت القصيدة والرواية تحملان فيهما ذات الأمر؛ ولكنه مختلف في الحقيقة، والحديث عن هذا يطول ويستطيل.
الأكثر إثارة في القصص القصيرة؛ هي أنها كلما قصُرت ازدادت صخبا وإمتلاء.
بينما أنتبه لأحداث الفيلم، مُستحضرة القصة القصيرة، وصوت في داخلي يرفعُ صوتهُ: كم عدد الذين سبق لهم وفكّروا في القصة القصيرة على أنها جزء مقتطع لفيلم، أو بالأصح موجز قصير لفيلم عظيم مدهش، ومثير؟
تسير أحداث الفيلم الآن بشكل متسارع؛ إنها اللحظة التي لا يستطيع فيها المُشاهد إبعاد عينيه عن الشاشة، وعادة يضعون كل الإقتباسات التي نبحثُ عنها لنقول أن الفيلم قد قال كذا وكذا، في هكذا لحظة. إذا بصوتٍ آخر يرتفع في أذني اليسرى ليقول: والقصيدة، يامن تقفين اليوم في صف القصة القصيرة، ألا تصلح لفيلم سينمائي؟
أبتسم لهذا الصوت؛ إنه الصوت الذي يثير في داخلي الكثير من التساؤلات، ويختلق المشكلات مع بقية الأصوات، وأجيبه: القصيدة تعرفُ كيف تُدغدغ مُخيلة الكاتب؛ ليكتب فيلما سينمائيا، أو مسرحية من عدة فصول. صحيح أن القصيدة أكثر إمتلاء من القصة بالصخب؛ لكنها في الوقت ذاته تملك سيولة، وميوعة غريبة. القصيدة ليست صلبة وقاسية، والقصة القصيرة لايعني أنها صلبة؛ فقط القصيدة بإمكانك أن تثقبها بدبوس، وتُشاهد الدبوس يدخل فيها ويتماهى الدبوس مع مادة القصيدة، ولن يُغيّر الدبوس الكثير من شكل القصيدة؛ فالقصيدة تعرف كيف ترتق ثقوبها. أما القصة القصيرة إن ثقبتها بدبوس، فالدبوس قد يتحول لشخصية في القصة، وسيسبب الكثير من الوخزات في ظهر القصة، و سترى اللون الأحمر في القصة حينها.
أنتبهُ إلى أن الفيلم قد سار للنهاية بسرعة فائقة، فأضحكُ مرددة: القصة القصيرة، تركض بسرعة للنهاية، لكن النهاية في القصة القصيرة لا تشبه السماء الزرقاء الصافية بعد ليلة ماطرة؛ إنها تشبه الأرض في صباح يوم، كان أمسه ماطر؛ حُفرٌ كثيرة من المياه، هنا وهناك. انْتبه حين تمشي؛ كي لا تتسخ، أو تزلق قدمك، فتقع.
.
_اسم الفيلم: Minority report. مقتبس عن قصة قصيرة كتبها الروائي الأمريكي فيليب كيندرد ديك.
َ
_عائشة سُليمان/خَيال.
تعليقات
إرسال تعليق